علي الهاشمي
الأحواز ليست شأنًا داخليًا إيرانيًا كما تحاول طهران تصويرها، بل قضية إقليمية بامتياز تمس استقرار المنطقة وأمنها. لذلك فإن على صُنّاع القرار الدوليين التعامل مع الملف الأحوازي بصفته ملفاً إقليمياً حسّاساً وعدم تركه عرضة للتلاعب أو الأستخدام الأمني أو الاستخدام المؤقت كورقة ضغط سياسية.
إن الأحواز، الذي يسكنه العرب وهم سكانه الأصلين منذ قرون ، ضمته إيران عام 1925 في ظروف مثيرة للجدل. ومنذ ذلك الحين، يعيش سكانه أوضاعًا صعبة تتراوح بين الحرمان من كافة حقوقهم الثقافية واللغوية ، وطمس الذاكرة و الوجود القومي العربي والترهيب بالإعدامات الميدانية، وعمليات تجفيف الأنهار و استهداف الثروات المائية والحيوية ، وطرح مشاريع تهدف لتغيير التركيبه الديموغرافية و هوية الأرض والإنسان.
ورغم أن القانون الدولي يضمن للشعوب حق تقرير المصير، فإن القضية الأحوازية بقيت خارج دائرة الضوء، لتتحول إلى قضية مؤجلة. لكن الأهمية الاستراتيجية للأحواز على امتداد الساحل الشرقي للخليج العربي ، الذي ينتج ما يقارب 80% من نفط وغاز إيران حالياً ، تجعلها اليوم أكثر ارتباطًا بمصالح الولايات المتحدة والغرب في أمن الطاقة واستقرار حوض الخليج العربي.
المسؤولية في هذا السياق لا تقع على عاتق ايران وحدها، بل إن للمملكة المتحدة دورًا تاريخيًا محوريًا في الترتيبات التي مهدت لضم الأحواز مطلع القرن العشرين بصمت، ما يضعها أمام مسؤولية سياسية وأخلاقية تستوجب إعادة النظر في موقفها تجاه هذا الملف. وفي المقابل، تُعد الولايات المتحدة لاعبًا رئيسيًا في المشهد الإقليمي والدولي، وإدراج القضية الأحوازية ضمن أجندتها السياسية قد يشكل أداة فعالة ضمن إطار الضغوط على الحكومة الإيرانية ، لاسيما في ظل استمرار التعنت الإيراني تجاه الالتزامات الدولية، وتفعيل آلية الزناد (Snapback) كجزء من أدوات محاسبة طهران على تجاوزاتها.
ولعل التجارب العالمية تشهد أن التدويل ليس حلمًا بعيدًا. فقد تحولت تيمور الشرقية، وجنوب السودان، وكوسوفو من ملفات مهمشة إلى قضايا دولية انتهت بإقرار حقوق شعوبها. فهل يكون الأحواز على الطريق نفسه؟
اللحظة الدولية الراهنة قد تكون فرصة نادرة، إيران محاصرة بالعقوبات، مأزومة داخليًا، ومحدودة الخيارات خارجيًا. و على القوى الأحوازية استثمار هذه الظروف بذكاء، قد يعيد القضية إلى موقعها الطبيعي .
إن الأحواز ليست مجرد قضية محلية، بل ملف محمّل بانتهاكات حقوق الإنسان لشعب بأكمله و بأمن الطاقة والممرات المائية العالمية، وبالتوازنات الإقليمية. والاستحقاق السياسي اليوم يفرض على صناع القرار والدول المؤثرة في الخليج العربي التعامل مع القضية الأحوازية كملف استراتيجي لا يحتمل التأجيل.
علي الهاشمي - واشنطن