موقع المستقلين الاحوازيين
الأحواز في معادلة القوميات غير الفارسية .

بقلم مدير المعهد للحوار و للأبحاث والدراسات 

 ـ رحيم مجيد حميد


الأحواز في معادلة القوميات غير الفارسية: قراءة في الغياب والحاجة إلى الفعل


١. إن متابعة النقاشات والتحليلات الصادرة عن النخب السياسية والفكرية الفارسية، سواء تلك القريبة من النظام الإيراني أو المنتمية إلى المعارضة، تكشف عن حقيقة لافتة: هي التركيز المفرط على القضيتين الكردية والبلوشية، مقابل تغييب شبه كامل للقضية العربية الأحوازية. هذا التفاوت في الحضور ليس مجرد صدفة، بل هو انعكاس لمعادلات القوة على الأرض، وللتجارب التاريخية التي طبعت مسار كل قومية من القوميات غير الفارسية داخل إيران. ومن ثم فإن قراءة هذا الواقع تحتاج إلى تفكيك أسبابه، واستشراف نتائجه، واقتراح استراتيجيات تعيد للقضية الأحوازية مكانتها في المشهد الداخلي والإقليمي.


٢.
إن النخب الفارسية، سواء كانت حاكمة أو معارضة، تدرك أن الحضور الإعلامي والسياسي للقضية يرتبط أولا بمدى فاعلية الحركات المنتمية إليها في الداخل. القضية الكردية حاضرة لأنها ارتبطت تاريخيا بتنظيمات سياسية قوية، مارست أشكالا مختلفة من العصيان، وفرضت وجودها كطرف لا يمكن تجاوزه. أما بلوشستان، فقد ارتبط حضورها بالفعل العسكري المتصاعد في السنوات الأخيرة، وهو ما جعلها ماثلة أمام عيون النظام والمعارضة على حد سواء. في المقابل، تعاني الساحة الأحوازية من ضعف الحراك الميداني، سواء كان سياسيا منظما أو عسكريا منظما، ما جعلها تبدو في أعين الفرس وكأنها قضية خامدة أو أقل خطورة من غيرها. هذا الغياب الموضوعي أتاح للنخب الفارسية أن تهمّش القضية أو حتى تتجاهلها في النقاشات حول مستقبل إيران.إن تجاهل القضية الأحوازية لا يقتصر أثره على مستوى الخطاب، بل يمتد ليؤثر في رسم ملامح البدائل المستقبلية للنظام الإيراني. إذ أن المعارضة الفارسية، عند رسم تصوراتها لليوم التالي لانهيار النظام، قد تُدرج الأكراد والبلوش في حساباتها باعتبارهم مشاكل قومية لا بد من التعامل معها، بينما تترك العرب الأحوازيين خارج هذه المعادلة، وكأنهم مجرد امتداد جغرافي هامشي.هذا التهميش خطير لسببين رئيسيين: تقزيم المطالب: إذ قد تتحول المطالب الأحوازية من قضية تقرير مصير أو حكم ذاتي إلى مجرد تحسينات معيشية أو بعض الحقوق الثقافية الشكلية. وإعادة إنتاج الهيمنة الفارسية: بتجاهل العرب الأحوازيين، يمكن لأي نظام بديل أن يستمر في السياسات المركزية والتفريس، تحت ستار إيران جديدة أو إيران ديمقراطية دون أن يلتزم بحل جذري للقضية.

٣.يجب ألا يُفهم تهميش القضية الأحوازية بمعزل عن الاستراتيجية الفارسية الأشمل. فالنخب الفارسية، تاريخيا، سعت إلى تقسيم القوميات غير الفارسية بين خطيرة وقابلة للتطويع. الكرد والبلوش صُنّفوا في خانة الخطر، لأن لديهم تاريخا من التمرد المسلح، بينما العرب الأحوازيون صُنّفوا في خانة القابلين للاستيعاب عبر سياسة مزدوجة: قمع شديد من جهة، وإعطاء بعض الوعود الشكلية من جهة أخرى. وهذا ما يفسر أيضا سلوك المعارضة الفارسية: فهي تنظر إلى الأحواز باعتبارها ورقة يمكن استخدامها لتجميل صورتها، لا باعتبارها قضية مصيرية تستحق الحل.

٤.مخاطر الثقة في الوعود الفارسيةمن أبرز الأخطاء الاستراتيجية التي يمكن أن تقع فيها الحركات الأحوازية هو الركون إلى وعود المعارضة الفارسية، التي قد تتعهد بإعطاء بعض الحقوق الثقافية أو التنمية الاقتصادية. هذه الوعود غالبا ما تكون مجرد أدوات تكتيكية، تستخدم لكسب التأييد الدولي أو إضعاف موقف النظام القائم. لكن عند الوصول إلى السلطة، قد تُفرغ هذه الوعود من مضمونها، بحجة الحفاظ على وحدة الدولة أو مواجهة التحديات الأمنية. التاريخ الإيراني مليء بشواهد مشابهة، حيث استخدمت السلطات المركزية وعودا مرحلية لاحتواء القوميات، ثم عادت إلى فرض سياسة التفريس والقمع. ومن ثم فإن الائتمان بجانب الفرس يحمل مخاطر جمة، لأنهم ينظرون إلى أي مكسب للقوميات الأخرى بوصفه خصما من جوهر الدولة الإيرانية.


٥. وإزاء هذه التحديات، يصبح تحريك الساحة الأحوازية واجبا سياسيا واستراتيجيا. لا يمكن للقضية أن تحيا في وعي الآخرين إذا لم يفرضها الأحوازيون بأنفسهم على طاولة النقاش. هذا التحريك لا يعني بالضرورة عسكرة الصراع فقط، بل يشمل جميع السبل والأدوات.الدرس المستفاد من التجارب الكردية والبلوشية هو أن القضايا القومية لا تحيا في الخطاب فقط، بل في الفعل. ومن ثم فإن الاستراتيجية الأحوازية ينبغي أن تقوم على:• مراكمة القوة من الداخل: عبر بناء وعي شعبي، وتنظيم احتجاجات مستمرة، حتى ولو محدودة، لكسر الجمود.• توازن بين العمل السلمي والمقاومة: بحيث لا يُفهم الحراك الأحوازي على أنه مجرد رديف للعنف، ولا على أنه استسلامي بحت.• الحذر من التبعية: سواء للنخب الفارسية أو للقوى الإقليمية، لأن ذلك قد يحوّل القضية إلى ورقة تفاوضية عابرة.• 

استثمار اللحظة التاريخية: النظام الإيراني يعيش أزمة عميقة، والمعارضة الفارسية تبحث عن بديل. إذا لم يفرض الأحوازيون قضيتهم الآن، قد يجدون أنفسهم مهمشين في إيران ما بعد الجمهورية الإسلامية.


وختاما فإن تغييب القضية الأحوازية عن خطاب النخب الفارسية ليس قدرا محتوما، بل هو نتاج غياب الحراك الفاعل في الداخل، واستسلام بعض القوى الأحوازية لوعود المعارضة الفارسية. لكن هذا الوضع يحمل خطرا وجوديا: إذ قد تُقزَّم القضية وتتحول إلى مطلب ثانوي، في وقت تُحجز فيه مواقع متقدمة للأكراد والبلوش. ولذلك فإن الفريضة السياسية اليوم هي تحريك الساحة الأحوازية بذكاء ووعي، لتذكير الفرس والعالم بأن هناك قضية عربية كبرى في قلب إيران، لا يمكن تجاوزها في أي ترتيبات مستقبلية. إن الوعي بهذه الحقيقة، والقدرة على تحويلها إلى فعل، هو ما سيحمي القضية الأحوازية من التهميش، ويمنحها مكانها الطبيعي كقضية مركزية في معادلة الشعوب غير الفارسية، وفي مستقبل المنطقة ككل.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.