بعد نشر مقطع مصور على حساب رئيس جمعية حقوق الانسان الاحوازي د. عيسى عناية الطرفي و الذي تكلم حول خمس اسئلة بخصوص الفدرالية و التحرير :
1: هل الاحواز دولة محتلة أم نحن جزء من ايران لا يمكن تجزئته ؟
2: ـ هل موافقتكم على الفدرالية كخيار مرحلي قابل للرفض تحت بند حق الشعب الاحوازي بتقرير المصير أم خيار الفدرالية نابع من ايدولوجية المعارضة الايرانية بقومياتها او شعوبها في اطار وحدة تراب خارطة ايران؟
3: ـ لو سمح حكم الملالي و وافق على “فدرالية” في الأحواز هل تتفقوا معه و هل فدراليتكم تشمل المستوطنين بالاحواز و تعتبرهم مواطنين من الدرجة الأولى أم نزلاء تترتب عليهم قرارات قانونية ؟
4 : ـ و هل توافقوا على إعدام عرب الأحواز المطالبين بالتحرير و خروج المحتل كما تفعل حكومات ايران منذ عام 1925 لغاية الآن .
ملاحظة القصد " توافقوا على اعدام ابناء الأحواز " بعد قبول الفدرالية !
5: ـ ماذا تصفوا من يرفض الفدرالية و يطالب بالتحرير و كيف تتعاملو معه حالاً و مستقبلاً .
جاء الرد بشكل خاص من جانب السيد رحيم حميد و هو مدير معهد الحوار للأبحاث و الدراسات و ننقل لكم رده الخاص هنا :
أشكرك يا أستاذ عيسى على طرحك هذه الأسئلة الجوهرية بأسلوب متزن، يتجنب الصخب، ويترفّع عن منازعة حملة الأفكار المختلفة بأسلوب التهييج أو التبخيس. إن مثل هذا النهج المتعقل مطلوبٌ في نقاش القضايا الأحوازية المصيرية، لأنه يعلي من قيمة الفكر، ويضعنا أمام حوار ناضج يليق بتضحيات شعبنا، ولا ينحدر إلى مستوى الخصومة الشخصية أو المهاترة. ومن هذا المنطلق، سأحاول أن أجيب عن أسئلتك بالنيابة عمّن يطرحون فكرة الفدرالية، بحسب ما سمعت منهم وعايشت من طرحهم، مع إقراري بأنني كمواطن أحوازي أؤمن بشرعية مشروع التحرير، وعقلانيته، واتساقه مع منطق التاريخ ومسار نضال الشعب الأحوازي.
أولا: هل يعترف دعاة الفدرالية بوجود الاحتلال؟هنا تكمن المفارقة الكبرى، أخلاقيا وسياسيا. فدعاة الفدرالية يصرّحون، في مجالسهم الخاصة، بإقرارهم الصريح بأن الأحواز أرض محتلة منذ قرن. لكن حين ينتقلون إلى مخاطبة الفرس، معارضةً كانوا أو مثقفين أو سياسيين، يتنصلون من استحقاقات هذا الاعتراف. ويطرح هذا التناقض سؤالا جوهريا: إذا كان الاحتلال واقعا معترفا به، فلماذا لا يُبنى الموقف السياسي كاملا على هذا الأساس؟ إن التنصّل من استحقاقات الاعتراف بالاحتلال لا يعني مجرد ضعف تكتيكي، بل يمثل سقوطا أخلاقيا، لأنه يفرّغ القضية من جوهرها. كما أنه يحمل تداعيات سياسية وقانونية جسيمة: فالاعتراف بالاحتلال يُرتب، في القانون الدولي، حق تقرير المصير غير القابل للتصرف للشعوب الواقعة تحت الاحتلال. والتنازل عن هذا المبدأ يعادل إسقاط هذا الحق من أساسه. ولذا فإن النفاق السياسي في هذا الموقف لا يُعدّ مجرد خلل في الأخلاق السياسية، بل هو عطب في منطق الحراك والنضال نفسه، إذ كلما ابتعدت حركة أو تيار عن الاعتراف بالاحتلال واستحقاقاته، وقع في التناقض الذي يفتك بشرعيته ويمهّد لتآكله.
ثانيا: الفدرالية وحق تقرير المصيرلوحظ أن بعض دعاة الفدرالية في الساحة الأحوازية، وعلى رأسهم النسخة المائلة إلى الفدرالية من حركة النضال العربي، قد صرّحوا بأن الفدرالية لا يمكن أن تُطرح إلا مقرونة بحق تقرير المصير. بمعنى أن الفدرالية ليست خيارا مفروضا أو مسارا وحيدا، بل تُقبل فقط إذا جاءت بعد استفتاء شعبي حرّ يتيح للأحوازيين أن يختاروا بين الاستقلال أو الفدرالية أو أي صيغة أخرى. لكن ما يثير الريبة هو أن هذا الشرط لم يتحول إلى مبدأ راسخ في خطابهم، بل ظل أقرب إلى بند تفاوضي يمكن التنازل عنه تحت ضغط اللحظة. وهنا يبرز الخطر: فحين يتحول حق تقرير المصير، وهو حجر الزاوية في القضية الأحوازية، إلى ورقة قابلة للمساومة، فإن القضية برمتها تُفرغ من مضمونها التحرري. إن التعامل مع حق تقرير المصير كخيار ثانوي، بدل أن يكون قاعدة لا تمسّ، يُضعف الموقف الأحوازي أمام الفرس والمجتمع الدولي معا.
ثالثا: المستوطنون والمسؤولية الأخلاقية والقانونيةهذا سؤال أخلاقي وقانوني بامتياز، وهو من أكثر الأسئلة حساسية. فالمستوطنون الفرس، الذين جُلبوا إلى الأحواز عبر سياسات الدولة الإيرانية، ليسوا مجرد أفراد عاديين، بل هم جزء من عملية منهجية هدفت إلى تفريس الأرض والهوية. هؤلاء المستوطنون كانوا وما زالوا أداة رئيسة في مشروع الاحتلال: فمن خلالهم جرى تغيير البنية الديمغرافية، واستُخدمت قوتهم العددية في تهميش العرب، وتجريدهم من أرضهم، والاستيلاء على مقدراتهم الاقتصادية. إن القاعدة القانونية التي يمكن الاستناد إليها هنا هي ما يُعرف في الفقه الدولي بمسؤولية المستوطنين عن "الغبن" الواقع على الشعب الأصلي. أي أن وجودهم لم يكن بريئا، بل جاء نتيجة سياسة دولة احتلال، وبالتالي فإنهم يتحملون مسؤولية أخلاقية وسياسية، وإن بدرجات متفاوتة، عن الجرائم التي ارتُكبت بحق الأحوازيين: من القتل والتهجير، إلى التفقير والتجويع، إلى محو الهوية واللغة. وهذا يضعنا أمام سؤال مستقبلهم في حال تحرر الأحواز: هل يعاملون كجماعة مواطنين، أم كجزء من مشروع استيطاني استعماري؟
رابعا: السؤال المتعلق بشهداء الأحوازأما بخصوص السؤال الرابع، فهو لم يكن موفقا بقدر الأسئلة السابقة، لأنه انطوى على قدر من الاتهام المبطّن بالتخوين. والحقيقة أنه لا يمكن لأي حركة سياسية، سواء تبنّت مشروع التحرير الكامل أو حتى مشروع الفدرالية، أن تقبل أو تبرر المجازر التي ارتُكبت بحق خيرة شباب الأحواز. إن هذه المذابح، بما هي جرائم ضد الإنسانية، تشكل خطا أحمرا لا يجوز لأي طرف أحوازي تجاوزه أو المساومة عليه. ومن ثم فإن إقحام مثل هذا السؤال يوحي وكأنه يريد تحميل بعض التيارات وزرا يفوق طوقها.
خامسا: حرية التعبير عن الموقفأما السؤال الخامس، فجوابه قصير ويسير: أجل، من حق أي طرف أن يعبّر عن موقفه كما يشاء، فهذا من مقتضيات التعددية السياسية. لكن الحرية في التعبير لا تعفي من مسؤولية الموقف وما يترتب عليه من نتائج على مستقبل الوطن.
الفدرالية والسؤال الجوهريإني لأعتقد أن السؤال الجوهري في معمعة الفدرالية ليس في تفاصيلها الشكلية، بل في نطاقها الجغرافي والقومي: ما هو الوطن الأحوازي؟ أين حدوده؟ ومن هم شعبه؟إذا وُضعنا أمام خيار فدرالية، قومية كانت أو إدارية، سيواجهنا المجتمع الدولي، قبل الإيرانيين أنفسهم، بالسؤال عن مصير المستوطنين وحقوقهم القومية. وهنا تكمن الخطورة: فبدل أن تكون الفدرالية صيغة لحماية الهوية العربية، قد تتحول إلى فدرالية منقوصة، تشمل فقط بعض المدن العربية المحض مثل الحميدية والخفاجية والفلاحية، بينما تُستثنى مدن مركزية مثل الأحواز العاصمة وعبادان والسوس، التي تحولت بفعل الاستيطان إلى حواضر مختلطة على نحو يجعل إقامة فدرالية قومية فيها شبه مستحيل. بل إن مدنا أخرى مثل تستر والدهلية والقنيطرة والصالحية، تحولت كليا إلى مدن لُرّية، حتى أصبح وجود العرب فيها ضعيفا أو مهمشا. فكيف يمكن أن تُقام فدرالية أحوازية متكاملة في ظل هذا الواقع الاستيطاني الممنهج؟ إننا أمام معضلة كبرى: قبول الفدرالية وفق هذا الواقع يعني التسليم بالتقسيم الفعلي الذي صنعه الاحتلال عبر الاستيطان، وإعادة إنتاج الهيمنة الفارسية بثوب جديد. أما التمسك بخيار التحرير الكامل، فيعني العودة إلى أصل القضية، بوصفها قضية احتلال واستيطان يجب أن يُواجه بالتحرير لا بالتجزئة.
رحيم حميد، مدير معهد الحوار للأبحاث والدراسات
Astudies.org